لست من أهل الاقتصاد، لا من حيث التخصص أو الاشتغال أو حتى التوظيف في الحياة الخاصة، لكن ما يشغل الناس العاديين هذه الأيام يجعلنا نتساءل عما ترصده العين ويجري من حولنا.
بلادنا مرت بطفرتين شهيرتين: الأولى تدفقت فيها الثروة، بعد التعود على نشاط اقتصادي بطيء النمو ومداخيل محدودة ولدت قناعة مستقرة. فجأة فاض المال ولم تكن لدى المجتمع ومؤسساته أوعية لاستيعاب الدخول الكبيرة وهضمها وتمثلها بصورة صحية، فبادرت الدولة لإيجاد قنوات مؤسسية توصل المال إلى أيدي الناس دون أن تشعرهم أنها تعطيهم ما لم يبذلوا فيه جهدا، فتأسست صناديق للعقار وللزراعة وللتسليف وقفزت أسعار الأراضي وصارت تتغير على مدار الساعة وليس على أيام الأسبوع أو الشهر، وفتحت صناديق الإقراض وكتابات العدل أبوابها ودخل الناس في حال من «اللهث» المحموم فرأينا لأول مرة «الطوابير» على الأجهزة الحكومية المرتبطة بالحياة اليومية، السجلات التجارية، مكاتب الاستقدام، كان طلاب التأشيرات يبيتون عند أبواب مكاتب الاستقدام بفرشهم وبطانياتهم ودلال القهوة وثلاجات الشاهي. كان الناس في سباق لقطف ما يستطيعون من ثمرات التدفق المالي، وجاءت إلى المملكة أفواج العمالة الوافدة غير المدربة لتشارك في هذا «المولد»، واشتهرت قصص السباكين الأطباء والحدادين المهندسين والنجارين الصيادلة، وباتت الفنادق منازل للسماسرة والنصابين وبائعي «الهواء». وكنت شاهدا على محاولة بيع «مشروع» المزرعة التي ستغطي احتياجات مدينة الرياض من حليب الغزلان.. (نعم حليب الغزلان!!).. أخذت غابات الإسمنت تتمدد على الكثبان والهضاب حتى إذا ضاقت بها نزلت الوديان دون أن تخشى السيول (وفي النهاية أودت بحياة عشرات الأبرياء في السيل المشهور). وارتفعت آلات الحفر في الصحراء بحثا عن الماء واكتست بعض المناطق بدوائر سنابل القمح الخضراء ووقفت الناقلات على أبواب صوامع الغلال لإنزال المحصول تشجيعا للمواطنين على العمل..
في تلك الطفرة رأينا الشباب يهرب من الوظيفة الحكومية (عكس اليوم) إلى القطاع الخاص. هرب المدرسون من الحصص إلى إنشاء مؤسسات المقاولات والصيانة وبيع التأشيرات، وهرب الموظف الإداري إلى الشركات الأجنبية ورواتبها العالية ومهامها السهلة فالكثير منها – حتى قبل شرط السعودة - كان «يتجمل» بالشباب السعودي ولهذا كان يغريهم بالرواتب العالية وبدل السكن والقروض للانضمام إليها.
تلك طفرة نقلت البلاد من حال إلى حال على جميع الأصعدة، ومن نتائجها تخلي معظم السعوديين عن الأعمال اليدوية والركون إلى العمالة الوافدة فظهر التفاخر والتقليد.. وحين انقشعت السحابة انقسم الناس ما بين أغنياء الغفلة وفقراء المغامرة وسجناء الطمع، ثم الذين حصلوا من الثروة ما هو مشروع دون أن يفقدوا ضوابط المجتمع السوي.
ثم جاءت الطفرة الثانية التي مازال طعمها اللذيذ في حلوق الغالبية ومرارتها اللاذعة على شفاه البعض.. طفرة تدفقت فيها الأموال واتسعت أوعية استيعابها وتطورت الأعمال ودخل الشباب عالم الاقتصاد وبتنا نسمع بشكل يومي الحديث عن اقتصاد المعرفة وريادة الأعمال.. ومن عثرات هذه الطفرة «بالوعة» الأسهم التي سقط فيها الكثيرون، ومن سماتها اتجاه الثروات الضخمة إلى «المولات»، ترسخ ثقافة الاستهلاك وتشجع أصحاب الأموال على الربح السريع واقتصاد المضاربات بدلا من اقتصاد الإنتاج..
فهل لمثلي، من المتطفلين على الاقتصاد، أن يسأل: كيف نصرف المليارات على منتجات الشرق والغرب ونفتح لها نوافذ التصريف في سوقنا دون أن نفكر في إنتاجنا الذي يوجد فرص التوظيف لأجيالنا في الحاضر والمستقبل؟.
بلادنا مرت بطفرتين شهيرتين: الأولى تدفقت فيها الثروة، بعد التعود على نشاط اقتصادي بطيء النمو ومداخيل محدودة ولدت قناعة مستقرة. فجأة فاض المال ولم تكن لدى المجتمع ومؤسساته أوعية لاستيعاب الدخول الكبيرة وهضمها وتمثلها بصورة صحية، فبادرت الدولة لإيجاد قنوات مؤسسية توصل المال إلى أيدي الناس دون أن تشعرهم أنها تعطيهم ما لم يبذلوا فيه جهدا، فتأسست صناديق للعقار وللزراعة وللتسليف وقفزت أسعار الأراضي وصارت تتغير على مدار الساعة وليس على أيام الأسبوع أو الشهر، وفتحت صناديق الإقراض وكتابات العدل أبوابها ودخل الناس في حال من «اللهث» المحموم فرأينا لأول مرة «الطوابير» على الأجهزة الحكومية المرتبطة بالحياة اليومية، السجلات التجارية، مكاتب الاستقدام، كان طلاب التأشيرات يبيتون عند أبواب مكاتب الاستقدام بفرشهم وبطانياتهم ودلال القهوة وثلاجات الشاهي. كان الناس في سباق لقطف ما يستطيعون من ثمرات التدفق المالي، وجاءت إلى المملكة أفواج العمالة الوافدة غير المدربة لتشارك في هذا «المولد»، واشتهرت قصص السباكين الأطباء والحدادين المهندسين والنجارين الصيادلة، وباتت الفنادق منازل للسماسرة والنصابين وبائعي «الهواء». وكنت شاهدا على محاولة بيع «مشروع» المزرعة التي ستغطي احتياجات مدينة الرياض من حليب الغزلان.. (نعم حليب الغزلان!!).. أخذت غابات الإسمنت تتمدد على الكثبان والهضاب حتى إذا ضاقت بها نزلت الوديان دون أن تخشى السيول (وفي النهاية أودت بحياة عشرات الأبرياء في السيل المشهور). وارتفعت آلات الحفر في الصحراء بحثا عن الماء واكتست بعض المناطق بدوائر سنابل القمح الخضراء ووقفت الناقلات على أبواب صوامع الغلال لإنزال المحصول تشجيعا للمواطنين على العمل..
في تلك الطفرة رأينا الشباب يهرب من الوظيفة الحكومية (عكس اليوم) إلى القطاع الخاص. هرب المدرسون من الحصص إلى إنشاء مؤسسات المقاولات والصيانة وبيع التأشيرات، وهرب الموظف الإداري إلى الشركات الأجنبية ورواتبها العالية ومهامها السهلة فالكثير منها – حتى قبل شرط السعودة - كان «يتجمل» بالشباب السعودي ولهذا كان يغريهم بالرواتب العالية وبدل السكن والقروض للانضمام إليها.
تلك طفرة نقلت البلاد من حال إلى حال على جميع الأصعدة، ومن نتائجها تخلي معظم السعوديين عن الأعمال اليدوية والركون إلى العمالة الوافدة فظهر التفاخر والتقليد.. وحين انقشعت السحابة انقسم الناس ما بين أغنياء الغفلة وفقراء المغامرة وسجناء الطمع، ثم الذين حصلوا من الثروة ما هو مشروع دون أن يفقدوا ضوابط المجتمع السوي.
ثم جاءت الطفرة الثانية التي مازال طعمها اللذيذ في حلوق الغالبية ومرارتها اللاذعة على شفاه البعض.. طفرة تدفقت فيها الأموال واتسعت أوعية استيعابها وتطورت الأعمال ودخل الشباب عالم الاقتصاد وبتنا نسمع بشكل يومي الحديث عن اقتصاد المعرفة وريادة الأعمال.. ومن عثرات هذه الطفرة «بالوعة» الأسهم التي سقط فيها الكثيرون، ومن سماتها اتجاه الثروات الضخمة إلى «المولات»، ترسخ ثقافة الاستهلاك وتشجع أصحاب الأموال على الربح السريع واقتصاد المضاربات بدلا من اقتصاد الإنتاج..
فهل لمثلي، من المتطفلين على الاقتصاد، أن يسأل: كيف نصرف المليارات على منتجات الشرق والغرب ونفتح لها نوافذ التصريف في سوقنا دون أن نفكر في إنتاجنا الذي يوجد فرص التوظيف لأجيالنا في الحاضر والمستقبل؟.